تعدّ ظاهرة الفقر علامة بارزة في حياة الشعوب عبر العصور .
اكتب مقالة تناقش فيها أسباب هذه الظاهرة مستفيداً من الآتي : ( عطالة الفرد ذاته ، دور المجتمع ، دور الحظّ والظروف ، نظام العمل ) مع الشواهد المناسبة
إعداد المدرّس علي سلطان
لقد جرت العادة أن يقع تناول قضية الفقر من حيث هي ظاهرة اقتصادية واجتماعية عادية مألوفة موجودة في جميع المجتمعات وفي جميع العصور، وإن بدرجات متفاوتة. وتزخر ثقافات الشعوب بالإشارات إلى الفقراء والأغنياء كما لا تخلو الأديان من ذكر واجب المجتمع تجاه الفقراء .
قد تكون هذه الظاهرة سببها الإنسان نفسه الذي يتقاعس عن العمل الدؤوب لتجاوز العوز والحاجة وهذا ما نلمسه عند كثير من أفراد المجتمع ، حيث تعوّد الواحد منهم أن تأتيه حاجاته حيث هو موجود دون عناء ، فلِمَ يُجهد نفسه ويضيّع وقتَه في البحث عن رزقه الذي يأتيه من الآخرين على طبق من ذهب ؟ وعندما تدور العجلة عكس ما تعوّد عليه ، فلن يستطيع التواضع في البحث عن مصدر يعوّض نافذة الرزق التي أغلقت عليه دون أن يكون قد حسب لذلك أيّ حساب ، هذا الأمر ينعكس على الأسرة التي ينتمي إليها أو التي هو مسؤول عنها ، وتبدأ الحاجة في طلب مستلزمات الحياة ، وتكون الأبواب جميعاً قد أغلقت في وجهه فيدخل هو ومن معه في دوّامة الفقر . وتعوّدنا في المثل الشعبي أنّ " الفقر لا يتعدّى على أحد " والحقيقة هي أنّ المتقاعسين هم منْ يعتدون عليه بكسلهم و اتكالهم على غيرهم .
وقد يرتبط الأمر بالمجتمع ، الأب الأكبر لكل الناس ، فعندما يتهرّب هذا المجتمع من مسؤولياته في تأمين فرص العمل لكثير من أبنائه ينعكس ذلك على الوضع المعاشي للناس ، فينتشر الفقر وتعمّ الحاجة والسؤال ، لاسيما إذا احتكر الأب الكبير- وأقصد بذلك المجتمع -كل أبواب الرزق والمعيشة فخصّصها للأغنياء دون الفقراء ، مما يؤدي إلى انتشار الفقر بين الناس فيشعرون بالظلم وعدم المساواة ، ويتوضّح في المجتمع التفاوت الطبقي الذي تسيطر فيه طبقة على أخرى وتستأثر بكل شيء مما يخلق حالة من الرفض والثورة على الواقع وبحسبنا ما قاله علي كرّم الله وجهه : " لو كان الفقر رجلاً لقتلته " . قوله رضي الله عنه يؤكد أن الفقر حالة لا تحتمل ويمكن للمرء أن يفعل أيّ شيء للخلاص منها .
فإن الرأي الذي أخذ يسود في العقود الأخيرة ، هو أن الفقر شكل من أشكال الإقصاء والتهميش ومسّ بكرامة الإنسان، ومن ثمّ فهو انتهاك لحقّ جوهري من حقوق الإنسان ينجرّ عنه انتهاك لعديد من الحقوق ، منها الحقّ في العمل والدخل المناسب والعيش الكريم والضمان الاجتماعي والصحة، الخ. وهي حقوق اقتصادية واجتماعية أساسية.
وحتى نكون منصفين فإن هذه الظاهرة قد تتلبّس بعض الناس ، وترافقهم عمراً مديداً وقد يرجع الأمر إلى سوء تصرفهم ، وعدم قدرتهم على التعامل مع مثل تلك الظاهرة ، ومع الأيام تتولّد في نفس الفقير ونفس من حوله بأنّ الحظ هو الذي يلاحقه ويعيق نجاحه في التخلّص من تلك الظاهرة التي تلازمه طوال حياته ، ويستسلم للقدر ويرمي الأمر على الحظ الذي صار جواز سفر له في مواجهة لوم الناس ومعاتبتهم ، ولعل الظروف المحيطة به تؤكد هذه الحالة عندما لا تتاح له فرصة كشْفِ إمكاناته وقدراته فكلما طرق باباً وجده مغلقاً فيُرجع ذلك إلى أن ّحظه قليل ، وأنّ الظروف المحيطة به تعيق اغتنامه للفرصة المناسبة التي تخلّصه من الفقر الذي يحاصره ، وكأنه يؤمن بالمثل الشعبي الذي يقول : " الذي لاحظَّ له لا يتعب ولا يشقى " ، ولم يتذكّر قول أكثم بن صيفي : " العجز مفتاح الفقر " الذي يطالبه بعدم الاستسلام للقدر ، إيماناً منه أنّ تحقيق أيّ غاية يحتاج جهاداً ومناضلة للوصول إليها .
وقد يرجع الفقر إلى نظام العمل الذي يقوم عليه المجتمع وما يقرّه من أنظمة وقوانين تعيق حصول الناس على فرص عمل يحسّنون فيها ظروفهم وأحوالهم الاجتماعية والاقتصادية . فالدول المتقدمة هي تلك التي تهتم أولاً بإتاحة الفرصة للجميع ، وتحقيق تكافؤ الفرص بين الجميع ليغتنم كل فرد فرصته من أجل تحسين وضعه واستقرار حالته الاجتماعية والاقتصادية ، فالنّظام الجائر لا يشعر فيه المواطن بالأمن والاطمئنان فيسعى إلى عدالة تحميهِ من الظلم والعسف. من هنا نرى أنّ الفقر ينتشر في الدول التي لا تؤمّن تلك الفرص لأبنائها ، وهذا ينعكس على المجتمع كلّه ، لذا على تلك المجتمعات أن تسعى أول ما تسعى إليه هو الاهتمام بالفرد نواة المجتمع ، كما عليها أن تسعى إلى تطوير أنظمة العمل وقوانينه بما ينعكس إيجاباً على جميع الأفراد لأنّ في ذلك اهتماماً بمستقبل كل المجتمع . يقول الصحابي الجليل أبو ذرّ الغفاري : " إذا ذهب الفقر إلى بلد ، يقول له الكفر خذني معك " . هذا القول إن دلّ على شيء فإنّما يدل على قساوة الفقر ومرارته فكيف للأنظمة والقوانين أن تعيق تأمين فرص العمل لأبناء المجتمع ؟
على الرغم من الجهود الموجّهة لتسوية موضوعيّة لمشكلة الفقر، ومع اختلاف الطروحات المتبناة في مسيرة مكافحة الفقر،فإن الأمر الذي لا يختلف عليه الدارسون هو أنه على الرغم من التطور الاقتصادي و الاجتماعي الهائل الذي شهده العالم ، وعلى الرغم من التحسن الذي عرفته حياة كثير من الناس في معظم الدول،فإن الفقر لا يزال يشكل معضلة إنسانية ، وعلى الرغم من عالميتها إلا أنها تبرز بصفة خاصة عند شعوب العالم الثالث، ومع بقاء صورة الفقر بصورتها القاتمة تلك ، فإن الفجوة بين الأغنياء والفقراء ازدادت اتساعا بشكل يثير التساؤل حول الراهن والمستقبل الاجتماعي في هذه المجتمعات.
المدرّس علي سلطان