موضوع الفساد وجهل الشباب إعداد المدرّس علي سلطان
تناول الأديب العربي قضيتَي الفساد الإداري ، وجهل الشباب ، فصوّروا سلوك الموظفين الفاسدين في تعاملهم مع المراجعين من جهة ، وطرح مشروعاً نهضوياً للتغيير والإصلاح من جهة أخرى ، فدعا إلى إنشاء جيل يصدّ الكوارث عن أمّته ، ويطهّر عقله من الخرافة والقيم البالية راسماً طريق التحديث والإصلاح من المقارنة بين شباب الوطن ، وشباب العرب .
اكتب موضوعاً تناقش فيه الفكر السابقة مع الشواهد المناسبة
مرّ المجتمع العربي عبر عصوره الطويلة بقضايا اجتماعية كبيرة كان لها أثرها الواضح على تطوّره وازدهاره حيث ابتلي مجتمعنا بعقول اهتمّت بمصالحها ، وأهملت مصالح الوطن الأساسية جعلته يتقهقر ويخرج من مضمار سباق الحضارة الإنسانية ويلهث وراء الآخرين فكان له ترتيب متأخر بين الشعوب .
وكان للأدباء دور كبير في تسليط الضوء على المظاهر الاجتماعية الخطيرة في مجتمعهم لشعورهم بأنها السم الزعاف الذي خدّر أبناء الوطن الكبير وكان لها الأثر الكبير في تأخر المجتمع وتراجعه ، وعلى رأسها ظاهرة الفساد الإداري ، ومن الطبيعي أن يتبادل الأدب التأثير مع المجتمع الذي ينتج عنه ،لاسيما أن من مهام الأديب تسليط الأضواء على أحوال المجتمع ، لتجاوز السلبي منها وتعزيز الإيجابي ، وبما أن الفساد الإداري يقوم على قدر من الانحراف المتعمّد في تنفيذ العمل الإداري المناط بالشخص , فإنّ ذلك يعتبر انحرافا في المجتمع يتجاوز فيه الموظف القانون وسلطاته الممنوحة بسبب الإهمال .
فهذا الشاعر العربي السوري ابن مدينة الفرات يحدّد موقفه من قضايا الفساد الإداري بكل وضوح فيقف موقفاً جريئاً من الموظفين الفاسدين ، يكشف طباعهم ، ويفضح تصرفاتهم غير اللائقة ، فهم يتصفون بالتكبّر في التعامل مع المراجعين في دوائرهم ، فيكون التعالي على الناس السمة الغالبة على سلوكهم مما يسيء إلى المواطنين المتأمّلين في الحصول على إنجاز معاملاتهم ، شعوراً منهم أنهها ضرورية في حياتهم حيث يقول موصّفا الموظف المتكبّر الذي يتعالى على الناس وكأنه ليس منهم :
إنّي أعيذك في أدنى دوائرها من كلّ ذي أمرة بالكبر موصوف
وكأنّ هذا الموظف خليفة الله على الأرض ، فيصوّر للآخرين أنّه مكلّف بتقسيم الأرزاق للناس بالوكالة ولولا موافقته على معاملة المواطن فإن هذا المواطن سيبقى في عوز دائم وكأن الله تعالى لم يطلب من الناس أن ينشروا التعاون والمعروف بين الناس، يقول الفراتي :
كأن رزقك معقود به أبداً وربَّك البرَّ لم يأمر بمعروف
لا يقتصر الأمر على إذلال المواطن والاستهانة به ، بل يتعداه إلى الكذب والنفاق عليه ، حين يستلم الموظف منه المعاملة يعده وعوداً يدرك المراجع سلفاً أن الموظف يخادعه ويماطله وهو ليس أمراً غريباً لأن الناس قد اكتشفوا أنّ أهم صفات هذه الطائفة من الموظفين هي المماطلة والتسويف ،يقول الفراتي :
إنْ قال عُد في غدٍ فاحسب له جمعاً وضيّع الوقت في مطل وتسويف
خوادعٌ من بروق الكذب يدفعها إليك دفعَ خبير بالأراجيف
إذا كان بعض الأدباء قد كشفوا خداع الموظفين وكذبهم ، فإن بعضهم الآخر كانت لهم ثقة ببروز جيل جديد من الشباب يستطيع أن يتجاوز الظواهر الاجتماعية السلبية ، ولقد خاب ظنّهم عندما فُوجئوا بجيل متواكل لا يشعر أنّ للمنافسة دوراً في حياته ، فيتعجّب الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري من هذا الجيل المستسلم لواقعه ، المعتمد على قدرات الآخرين دون أن تكون له أي مساهمة في بناء المجتمع وازدهاره ، فيقف معه للأخذ بأسباب النجاح بهدف الوصول إلى شاطئ النجاح ، فيعمل على تحريض جيل الشباب بشكل غير مباشر لينهضوا بواقع أمتهم لأنه واثق بإمكاناتهم ، وليخلّصهم من العقلية التي سيطرت عليهم على مدى طويل من الزمن ، وهو يأمل من هذا الجيل أن يهبّ للخلاص مما هو فيه ، ويعمل على تحريضهم لمواجهة الملمات والصعوبات التي تعترضهم إيماناً منه بأن جيل الشباب قادر على مواجهة الكوارث التي تعترضه وتعيق تقدّم مجتمعه ، فيقول :
أهبتُ بشبان العراق وإنما أردت بشعري أن أهيجَ سباعا
أنفتُ لهذا النشء بينا نريده طويلاً على صدّ الكوارث باعا
ومن منطلق تربوي وأبوي يعمل بخبرته الحياتية على تطهير عقل الشباب من الخرافة والقيم البالية التي ترسّخت في مفهومهم والتي نشأت معهم منذ نعومة أظفارهم ، لاسيما تلك التي استقوها من مجتمعهم سواء من الأسرة أو المدرسة أو العادات والتقاليد ، فيقول الجواهري مساهماً بعملية غسل لتلك الأوهام والخرافات :
وربّ رؤوسٍ برزة عششتْ بها خرافات جهلٍ فاشتكين صداعا
وساوسُ لو حقّقتها لوجدتَها من المهد كانت أذؤباً وضباعا
بينما يرى رفيق الفاخوري أنّه غير قادر على الإبداع في أيّ مجال من مجالات الحياة لأن التقاليد والعادات رسمت له النهج والطريق ، وحدّت من قدرته على المساهمة في بناء المجتمع وهذا يؤكد على تأثير المجتمع على عقول الناشئة ، ومنعهم من الإبداع والمساهمة في المشاركة في عملية البناء فيرسم المجتمع له كل شيء ولم يبقَ عليه سوى الالتزام بما قُرّر له :
أنا في قبضة التقاليد لعبـــــة ليس لي فكرة ولا لي رغبة
رُسم النهج فاسترحتُ من التفــــ ــــــــكير حتّى كأنّ رأسي خربة
ومن موقعه كمفكر صاحب مشروع نهضوي ، يسعى إلى رسم طريق للشباب العربي للخلاص من ترسبات المجتمع التي تلازمه ، فيحرّضه بشكل غير مباشر ، وذلك عندما يجري مقارنة بين الجيل من أبناء الشعب العربي والجيل من أبناء الغرب ، فيرى أن المجتمعات الغربية التي غزت العالم ، غزته من خلال إنشاء جيل مؤمن بالعلم رافض للعادات البالية والخرافات ، بينما أبناؤنا من الشباب ينظرون إلى التطوّر الصناعي نظرة ازدراء وتهكم ، ويميل أفراده إلى الوظيفة التي تؤمّن لهم راتباً آخر الشهر دون أن يتعبوا تفكيرهم أو اهتماماتهم على المبدأ الشعبي : " غيّب شموس وعدّ فلوس " فيقول الجواهري :
غزت أمم الغرب الحياة تُريدها وما زوّدت غير الشباب متاعا
يرى في الصناعات احتقاراً ويزدهي إذا طمأن التوظيف منه طماعا
وينظر شبابنا إلى الصناعات نظرة قاصرة وغير مبالية بأهميتها لأنهم لم يعرفوا قيمتها المستقبلية ، فشبابنا يقنعون بما توفّر بين أيديهم من صناعات مهما كانت بدائية ، فهم غير قادرين على الوقوف في وجه الكوارث التي يمكن أن تعترض بلادهم لأنهم ما زالوا يعتمدون على الصناعات البدائية ، بينما شباب الغرب اعتبروا التطور الصناعي حاجة ملحة لأنه يساهم في تقدّم المجتمع وازدهاره ، وكأنهم يرَون أنّ المستقبل لا ينهض إلا بالاعتماد عليه يقول الجواهري:
نقاوم بالعود البوارج تلتظي ونعتاض عن حدّ البخار شراعا
وهكذا نجد أن أدباءنا العرب- بما يمتلكونه من وعي وحب لوطنهم- قد تناولوا قضايا أساسية في مجتمعهم وعلى رأسها الفساد الإداري ، ونظرة الشباب إلى المستقبل ، وكشفوا تلك المظاهر وعملوا على تجاوزها كما حثّوا الجيل الناشئ على الخلاص من واقع الاستسلام للخرافات والجهل ، ورأوا في هذا الجيل المستقبل الذي تنتظره أمّتهم لتلحق بركب الحضارة الإنسانية .
المدرّس علي سلطان