أقدم للطلاب موضوع تعبير الواقعية والرمزية للفرع الأدبي وهو الموضوع الثاني الصفحة 157
رأى أديب الواقعية الجديدة في المذهب الإبداعي ما يعبر عن وجدان الفرد وأحاسيسه، ورأى في الرمزية وسيلة من وسائل التعبير، فاستخدم الرمز اللغوي، والرمز التصويري، والأسطورة التاريخية تعبيراً عن تجارب إنسانية، ومعاناة وطنية أو قومية أو اجتماعية أو نفسية.
حدث في القرن العشرين تحوّلٌ كبير في بنية الأدب العربي، انطلق هذا التحول من تغير رؤية الأديب العربي للواقع والحياة، وذلك بسبب عدة متغيرات فرضتها روح العصر الحديث والأحداث الجسام التي ألمّت بالأمة العربية، فولدت الواقعية الجديدة في الأدب العربيّ نتيجة طبيعيّة لهذه التحولات التاريخية.
ورأى الأديب العربي في الواقعية ما يوافق رؤيته الجديدة، حيث جاءت الواقعية الجديدة في الأدب العربي بعدما طبعت الإبداعية الأدب بطابعها، فأخذ الأديب الواقعي الجديد منها ما يلبّي رغبته في التغني بذاتيته وأحاسيسه، ويعبّر عن وجدانه ومشاعره الفردية تجاه مختلف القضايا الحياتية حتى لو كانت تخصُّ المجتمع والوطن، فالشاعر خليل حاوي تبرز ذاتيته بأمله بحياة سعيدة لأمته منطلقاً ممّا فيها من اكتفاء للعيش الرغيد:
وكفاني أنّ لي أطفال أترابي
ولي في حبّهم خمرٌ وزادْ
من حصاد الحقل عندي ما كفاني
وكفاني أنَّ لي عيدَ الحصادْ
وجاءت الرمزية في الشعر العربي لتستخدم الرمز اللغويَ شكلاً جديداً من أشكال التعبير، فرأى الأديب الواقعيّ فيه خروجاً عن دائرة المألوف، والتمرد علی قيم الثبات والجمود، فلجأ إلى استخدامه وسيلة فنية للتعبير غير المباشر عما يريد، فتشبّث به وانطلق منه نحو ذاته، معبراً بوساطة التقنع به عن مكنونات نفسه، بائحاً من خلاله عن أسراره إلی المتلقي، ناقلاً إليه موقفه من العالم والكون والوجود.
ففي قصيدته "الجسر" يوظّف الشاعر خليل حاوي رمز "الجسر" ليعبّر من خلاله عن طريق التحرّر الذي
يتفاءل من خلاله بالوصول إلى شرقه الحر الجديد:
يعبرون الجسر في الصبح خفافاً
أضلعي امتدّت لهم جسراً وطيدْ
من كهوف الشرق، من مستنقع الشرق
إلى الشرق الجديدْ
وتطوّر مفهوم الرمز عند الشاعر الواقعي فخلعه على الصورة الشعرية، وأكثر من اسخدام الرمز التصويريَ ليعبّر من خلاله عن أفكار ومعانٍ متنوعة، لم يشأ أن يطرحها لقارئه بوضوح، بل وجد فيه وسيلة أجدى في التعبير عن دلالات معنوية عميقة، وذلك لما رآه في الصور الرمزية من تجاوز الأشياء المادية للتعبير عن أثرها العميق في النفس،ولا ترقی اللغة إلی التعبير عنها إلا عن طريق الإيحاء بالرمز المنوط بالحدس والشاعر خليل حاويَ يلجأ في قصيدته السابقة إلى تشبيه الجيل الذي اعتاد العبودية وألفها بالخفافيش، والخُفّاش عنده رمز الخوف والخنوع المتمثل في حياة العبيد:
غيرَ أنّي ما حملتُ الحبَّ للموتى
طيُوباً، ذهباً، خمراً، كنوزْ
طفلُهم يولد خُفّاشاً عجوزْ
وكثيراً ما لجأ شعراء الواقعية الجديدة إلى اتخاذ رموزهم من الأساطير سواء كانت الأسطورة شرقية أم غربية، وذلك لاستدعاء الحدث وتوليد الطاقة الإيحائية منها، ويكون الرمز الأسطوري ذا دلالة مسبقة يستطيع الفنان الفذَ أن يحرّره ليوظّفه في سياق مُوحٍ للتعبير عن قراءة حديثة، وفي فترة الخمسينيّات أكثر الشعراء العرب من استخدام الأساطير المشرقيّة الممثّلة بشكل رئيسيّ بالموت والانبعاث، حيث قصدوا منها ضرورة دفن كلّ ما هو متخلّف ومُعيق للتقدم في واقعنا العربيّ، وبعث حياة جديدة تفيضُ بالتقدم والقوة والرخاء، ومن ذلك ما قاله الشاعر خليل حاوي وهو يوظّف أسطورة الموت والانبعاث لبثّ التحرّر والانطلاق من العبودية في حياة أمته:
إنّ من يفني ويحيي ويعيد
يتولّى خلقَ فرخ النسر
من نسل العبيدْ
حقّاً يمكننا القول: إنّ شعراء الواقعية الجديدة استطاعوا أن يستفيدوا من كلّ ما كان مطروحاً بين أيديهم من ثقافات وأفكار ووسائل، ووظّفوا التطوّر والتجديد الذي طرأ على بنية القصيدة العربية في العصر الحديث لعبّروا من خلاله عن أفكارهم العميقة، ورؤاهم الجديدة للأدب والحياة والكون من حولهم.