أقدم للطلاب موضوع تعبير الواقعية والرمزية للفرع الأدبي وهو الموضوع الأول الصفحة 157
عالج الأدباء قضايا مجتمعهم الاجتماعية والوطنيّة، فمنهم من رأى الواقع معطىً ثابتاً والإنسان فيه مستسلمٌ لشقائه، وآخرون رأوا الواقع معطىً متغيراً، يمتلك فيه الإنسان إرادة التغيير والتفاؤل بالمستقبل الواعد.
عايش الأدب العربيّ الحديث قضايا الإنسان العربي التي مسّت حياته ومعيشته، فعالج كل قضاياه الاجتماعية والوطنية التي أهمّته، وناضل من أجلها، واختلفت رؤى الأدباء العرب لهذه القضايا تبعاً لمواقفهم وفلسفاتهم التي اختاروها مناهج في معالجة مشكلات الحياة والإنسان.
رأى بعض الشعراء أنّ الواقع معطىً ثابتٌ، ولا جدوى من تغييره ولا فائدة من معاندة الحظّ والظروف
ووجد هؤلاء أن الإنسان في هذا الواقع المرير مستسلمٌ لشقائه، مُقيّدٌ بقيود الواقع المفروض عليه، واعتبروا أنَ المعاناة وليدة الحظّ السيّء، والشقاء كتبته الأيام، والإنسان أسير ظروفه وعنائه، فالشاعر جورج صيدح يرى في معاناة البنّاء شقاء لا ينتهي، ومأساة لا خاتمة لها، فيدعوه للتحمّل والكدّ والصبر:
صبراً على الأيام إن عبَستْ هيهاتَ يُفرجُ ضيقَها غضبُ
ما أنت أولَ كادح عثرت آمالــــــــه وكبـــــا بــــه الـــدّأَبُ
لم يقبل أدباء أخرون بالخضوع لسيطرة الواقع والظروف، ورأوا أنَ الواقع معطىً متغيّرٌ، واعتبروا أنَ بإمكان الإنسان تحدّي ظروفه وشقائه، فرفضوا الاستسلام والجمود، وامتلكوا إرادة التغيير والتحوَل، ورفضوا الذلَ والخضوع لمعاناتهم الاجتماعية والسياسية، وتحدّوا الظلم والفقر والاستغلال والاستعمار، وأعلنوا عدم قبولهم ورفضهم للبؤس والشقاء، والشاعر خليل حاوي في قصيدته "الجسر" يبدو رافضاً لحياة العبودية مصمّماً على تغييرها والانطلاق إلى الحياة الحرّة الكريمة حتّى لو أدّى هذا التغيير إلى انشقاق البيوت وإنكار الفرد أهله وذويه:
كيف نبقى تحت سقف واحدٍ
وبحار بيننا.....سورٌ
وصحراء رماد باردٍ
وجليدْ....؟
ومتى نُطفِرُ من قبوٍ وسجنٍ؟!
ومتى، ربّاه، نشتدّ ونبني
بيدينا بيتنا الحرَّ الجديدْ؟!
واشتدّت عند أولئك الأدباء نبرة التحدّي والرفض لواقع الظلم والقهر، حتى تفاءلوا بمستقبل واعد وحياة فرح لا ينقطع، حياة يسودها العدل والحرية والسعادة، وترفرف فوقها طيور السلام، مندفعين بإيمانهم المتوقّد بما لديهم من مقوّمات التحرّر والبناء، واكتفاؤهم من ضرورات الوجود يشدّ إيمانهم ويعضُدُ عزائمهم، وهنا يبدو الشاعر خليل حاوي متفائلاً بحياة سعيدة ومستقبل كريم:
وكفاني أنّ لي أطفال أترابي
ولي في حبّهم خمرٌ وزادْ
من حصاد الحقل عندي ما كفاني
وكفاني أنَّ لي عيدَ الحصادْ
أنّ لي عيداً وعيدْ
كلّما ضوّأ في القرية مصباحٌ جديدْ
نجح الأديب العربيّ في مواكبة حياة الإنسان الاجتماعية والوطنيّة، واستطاع أن يطرح مواقفه لمعالجة قضاياه الملحّة، بما امتلك ذلك الأديب من إيمان بدور الأدب العظيم في تصوير هموم الإنسان ومعاناته
سواء كانت رؤيته استسلامية جبرية، أم كانت ثورية على كلّ ضعف وتخلف وجمود.